من الانتقام إلى الغفران
من الانتقام إلى الغفران
أشرت في المقالة السابقة إلى قصة عكاز أبي وكيف كُنت شاهدًا على مقتل أبي برصاصات غادرة..
والحقيقة أن هذا الموقف الرهيب الذي اختبرته كطفل صغير وأنا في السادسة من عمري أن أرى أبي ساقطًا على الأرض والدماء تسيل من جسده، وكيف أن سيارة الإسعاف جاءت وحملت أبي، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي أراه فيها لأنه انطلق إلى السماء.
هذا الموقف جعل قلبي الصغير يمتلئ بالكراهية والرغبة في الانتقام من هؤلاء الذين قتلوا أبي..
ولكنني أتذكر يومًا وأنا في الحادية عشر من عمري كنت جالسًا في اجتماع صغير للصلاة وكيف أنني طلبت الرب من كل قلبي.. فاستجاب لصلاتي وغير حياتي، وغسل قلبي بدمه الذكي الثمين، وكيف حولني من شخص يمتلئ قلبه بالكراهية والانتفام إلى قلب يمتلئ بالحب والغفران وهذه هي المعجزة التي صنعها الله في قلبي وقلوب الملايين عبر العصور والأجيال..
إن تحول القلب من الانتقام إلى الغفران لا يمكن أن يحدث بقوتنا البشرية ولكنه يحدث بقوة وتأثير الروح القدس..
إن رسالة الحب والغفران هي الرسالة التي يريد العالم أن يسمعها اليوم في وسط عالم يمتلئ بالكراهية والحروب والصراع.
أتذكر من عدة سنوات كنت أعظ في إحدى الكنائس بالولايات المتحدة، وأثناء العظة شاركت بجزء من اختباري عن قوة الغفران، وفي نهاية الاجتماع جاء شخص وصافحني وقدم نفسه أنه مدير لواحدة من أكبر دور النشر (Baker) واندهشت جدًا عندما قال لي أنه يرغب في نشر قصتي في كتاب، فقلت له: إن قصتي بسيطة ولا تستحق أن تنشر في كتاب. ولكنه ألح عليَّ كثيرًا وفعلاً تم الاتفاق مع كاتب أمريكي أن أقوم برواية قصتي ويقوم هو بصياغتها في كتاب، واستغرق الأمر أكثر من ستة أشهر حتى خرج هذا الكتاب إلى النور.. والأدهش من ذلك أن هذا الكتاب تم ترجمته من الإنجليزية إلى الرومانية ثم النرويجية ثم الدنماركية..
لماذا وما هو السر في ذلك؟؟ لأن العالم يريد أن يسمع عن يسوع المسيح الذي يحول القلوب من الانتقام إلى الغفران.. لقد أدركت كيف أن رسالة الغفران تحمل قوة غير عادية، وأن العالم يحتاج أن يسمع هذه الرسالة..
وأتذكر موقفًا آخر حدث معي منذ عدة سنوات حيث دعاني أحد الأصدقاء لأن أحضر مؤتمر في سول عاصمة كوريا كأحد المتكلمين، والذي حدث أن هذا الصديق لم يعطني تفاصيل كثيرة عن هذا المؤتمر ، ولكن رغبتي في زيارة كوريا جعلتني أوافق على الحضور..
وعندما وصلت إلى كوريا اكتشفت أن هذا المؤتمر غير مسيحي، وأنه تحت رعاية رئيس الوزراء شخصيًا، وأنني واحد من 17 متكلم يمثلون مختلف أنحاء العالم.. وأن هؤلاء المتكلمين على درجة كبيرة جدًا من الأهمية لدرجة أن أحد المتكلمين كان نيلسون مانديلا الزعيم الأفريقي..
وأن هذا المؤتمر منعقد في مبنى البرلمان وأنه يذاع على الهواء لكل القنوات المحلية.. وكان موضوع المؤتمر هو: مناقشة ما هو الحل لمشكلة العنف والإرهاب في العالم؟
ووجدت نفسي مطلوب مني أن اقدم محاضرة لمدة ساعة عن العنف والإرهاب بصفتي من منطقة الشرق الاوسط.. والحقيقة أنني شعرت بتوتر شديد إزاء هذه المسؤلية الكبيرة التي وُضعت على عاتقي..
وتم تحديد موعد لمحاضرتي وكان يسبقني محاضر من الهند، وهو رجل مشهور وكاتب معروف وحاصل على عدد كبير من الجوائز والأوسمة.. ووقف هذا الرجل الهندي وأخذ يتحدث عن غاندي وتعاليم غاندي كنموذج لمقاومة العنف والإرهاب في العالم..
وبعد أن انتهى من محاضرته التي كانت تمتلئ بالفلسفة والمعلومات جاء عليَّ الدور أن أقدم محاضرتي.. وقبل أن أقف على المنصة رفعت صلاة قصيرة وقلت: يارب رغم أن هذا المؤتمر غير مسيحي لكن ساعدني أن أمجد اسمك أمام هذا الجمع..
ثم بدأت محاضرتي بأن أخبرتهم أنني لن أشارك بفلسفة أو نظرية ولكنني سأشارك بما حدث في حياتي.. وكيف أنني كنت شاهدًا على مقتل أبي، وكيف أنني كنت أريد أن أرد على العنف بالعنف والإرهاب بالإرهاب وهذا هو رد الفعل البشري، وأنه ليس هناك حل بشري لمشكلة العنف والإرهاب، وكيف أن الحل الوحيد لن يحدث إلا من خلال شخص اسمه يسوع المسيح “الذي يدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام”..
وكيف أنه عندما جاءوا ليلقوا القبض عليه حاول واحد من تلاميذه اسمه بطرس أن يرد على العنف بالعنف، وكيف أن يسوع المسيح انتهر بطرس وقال له: “رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون”.
ورغم أن هذا المؤتمر غير مسيحي إلا أنني لاحظت كيف أن الجميع كانوا يصغون بانتباه شديد لدرجة أنني عندما انتهيت من محاضرتي والتي كانت عبارة عن عظة عن يسوع المسيح رئيس السلام، تقدم نحوي رئيس الوزراء الكوري واحتضني وقال لي: مجدًا للرب فأنا مسيحي أُومن بيسوع المسيح.. ولفرط دهشتي أنه عند نهاية المؤتمر جاء إليَّ رجلين وقالا أنهم يمثلون هيئة اسمها “هيئة السلام العالمي” أسسها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، وكيف أنهم استمعوا إلى المتكلمين جميعًا وقرروا أن يمنحوني جائزة السلام دون جميع المتكلمين..
وقد اندهشت جدًا لأنني أقل المتكلمين علمًا وثقافة ولكن السر لم يكن في شخصي بل في شخص يسوع المسيح ملك السلام ورئيس السلام..
حقًا يا إخوتي إننا نحمل أعظم رسالة في الوجود وهي رسالة الحب والغفران..
إن العالم محتاج أن يستمع إلى هذه الرسالة .. شارك اختبارك.. شارك رسالتك ولا تخجل فنحن نحمل أعظم وأغلى رسالة في الوجود…