قررت أن أبتسم
قررت أن أبتسم
الحقيقة المؤكدة أننا نعيش في العالم وفي العالم، سيكون لنا ضيق.. هذا هو الوضع الطبيعي أن نتألم أو نُجرب أو نمرض سواء في أنفسنا أو في أحبائنا من حولنا.. ولكن ردود الأفعال تجاه الألم تختلف من شخص لآخر. هناك من يخور وييأس، وهناك من يفقد إيمانه، ولكن هناك أشخاص يتعلمون من الألم ويصمدون في مواجهته، ويكون الألم في حياتهم وسيلة لإظهار إيمانهم وتمجيد إلههم..
ومن هؤلاء الأشخاص الصامدين تقابلت منذ فترة مع سيدة في جنوب أفريقيا تعيش داخل بوتقة الألم بصفة يومية ولكنها صامدة، صابرة، شاكرة، ودائمًا مبتسمة. هي امرأة شابة، زوجة لخادم متميز في خدمته، منذ سنوات طويلة تعرضت لحادث أدى إلى بتر ذراعها الأيسر من فوق الكوع.. ويالها من كارثة بالنسبة لامرأة وزوجة خادم وربة منزل ماذا تفعل؟.. هل تندب حظها؟ هل تتقوقع على نفسها؟ هل تنطوي لتخفي عن الناس عاهتها؟
كلا يا أعزائي أنتصرت على محنتها ودربت الجزء المتبقي من ذراعها لتستخدمه أحسن استخدام. رأيتها تخدم، وتعزف الموسيقى، وترنم، وتقود سيارتها، وتخدم بيتها ولم تجعل أحدًا يشعر بعجزها..
ولكن هل توقفت آلام هذه السيدة عند هذا الحد؟؟ كلا كان هناك اختبارًا آخر، أشد قسوة اجتازت فيه ومازالت تجتازه بصفة يومية..
ودعوني أترك المجال للسيدة (ريتا بيير) وهذا هو أسمها لتحكي بنفسها ما تمر به من ظروف تقول السيدة: (ميشال) وهذا اسم طفلتي الصغيرة التى ليس لها أي أمل في أن تعيش بحالة طبيعية. كان ذلك عام1997 وبسبب خطأ الطبيب أثناء ولادتها حدث تلف لجزء من المخ بسبب نقص الأكسجين.. نظرت إلى طفلتي وجدت جسدها أزرق اللون وكانت صامتة لم تصرخ كما يصرخ الأطفال المولودون حديثًا…
وهكذا أنا وزوجي واجهنا واقعنا الأليم أن لنا طفلة معوقة تمامًا، لا تنمو، ولا تتكلم، هي الآن تبلغ من العمر سبعة أعوام وما زالت كما هي بدون أمل في الحياة.. وعندما واجهتني هذه التجربة أدركت أن هناك أمامي خيارًا من اثنين فإما أن أصرخ، وأبكي، وأشكو، وأظل ناقمة ساخطة طوال حياتي.. أو أن أبتسم وأقبل وأعيش حياتي.
ولكنني قررت أن أبتسم..
كان هذا قراري أن أتغلب على محنتي وأن أبتسم، لم يكن قرارًا سهلاً، بل كان صعبًا يتحداني بصفة يومية.
مرات كثيرة كنت أصحو من النوم والدموع تفيض من عيني والألم يعتصرني من الداخل.
ولكنني قررت أن أبتسم
كان من الممكن أن نقاضي المستشفى ونحصل على تعويضًا من المال لكنني أنا وزوجي قررنا أن نغفر…
وبدأت أشكر الله على طفلتي المعوقة والتي لفتت نظري أن أشكر الله أكثر على طفلاي الآخرين الأصحاء. وبدأت أدرك كم هي بركة أن يكون لي أولادًا أصحاء..
وكلما مرت الأيام والسنين وطفلتي أمامي على الفراش لا تنمو، ولا تتحرك، ولا تتكلم، تمر السنين وتكبر المشكلة وتزيد المسئولية الملقاة على عاتقي…
ولكنني أُؤمن أن الله أعطاني نعمة لتحمل التجربة، وأعطاني أيضًا القوة على أن أبتسم.
عزيزي القارئ:
لقد قابلت هذه السيدة، ورأيتها فعلاً مبتسمة مرحة ضاحكة بل أنها في كل جلسة تملأها بالمرح والسعادة والحيوية.
لقد تعلمت درسًا من هذه السيدة لقد أخجلتني بقوة إيمانها وصبرها وقدرتها على التحمل.. إن كلماتها “قررت أن أبتسم” ترن في أذني مرات كثيرة خاصة عندما أنظر إلى المرآة وأرى على وجهي علامات العبوس وعدم الابتسام.
مرات كثيرة نجد أنفسنا مكتئبين ربما بدون سبب، ما أكثر ما أضعنا أيامنا وحياتنا في حزن وكآبة قلب.. ما أكثر ما كنا متشائمين نركز فقط على أمور سلبية في حياتنا ولا نرى بركات الله ونعمه وخيراته التي تحيط بنا من كل جانب.
“ما أكثر الذين يقولون مَنْ يرينا خيرًا؟ وينسون أنه: إنما خيرًا ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي”..
عزيزي:
لماذا أراك عابسًا.. ساخطًا.. حزينًا.. كسير القلب؟
لماذا عندما أذهب إلى الكنيسة أجد العابدين عابسين، حتى عندما يرنمون عن الفرح يكون الترنيم بلا فرح؟! إن الشمس تشرق وتغرب كل يوم..
إن الله يعتني بطيور السماء..
قد تكون لديك مشكلة أو تجربة لكن الله يعطي نعمة وقدرة على الاحتمال..
قد نُجرَب لكننا نُجرَب على قدر احتمالنا.. والله أمين لا يدعنا نُجرَّب بما يفوق طاقتنا وقدرتنا.
عزيزي القارئ:
هل تستطيع أنت وأنا أن نتخذ هذا القرار كما قررت (ريتا بيير) وقالت:
” لقد قررت أن أبتسم”؟؟