دعوة إلى الغذاء
(خروج 33: 15) “إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا”.
في هذا الإصحاح نري حوارًا بين الله وموسى. الله يكلف موسى بمأمورية كبرى أن يقود الشعب ويصعد به إلى أرض الموعد.. شعر موسى بضعفه وثقل المسؤلية الموضوعة على كاهله. فشجع الله موسى بأن قدم له ثلاثة وعود وهي:
- أُرسل أمامك ملاكًا
- أطرد الأعداء
- أقودك إلى أرض تفيض لبنًا وعسلاً
إنها وعود رائعة ولكن الغريب أن الشعب كله عندما سمع هذه الوعود ناحوا وبكوا ولم يضع أحد زينته عليه!! لأن موسى والشعب يعرفون الفرق بين قيادة الملاك وقيادة الله نفسه..
عندما ذهب الله للقاء إبراهيم ووعده بابن، ضحكت سارة من خلف الخيمة.. كان من الممكن أن يوبخ الله سارة أو ينتهرها لضعف إيمانها وعدم تصديقها لوعوده.. ولكن الله لم يعاقبها!
ولكن الملاك عندما ذهب ليبشر زكريا الكاهن بولادة يوحنا شك زكريا في كلام الملاك، وكانت النتيجة أن الملاك عاقبه بأن جعله أخرس لا يتكلم لمدة تسعة أشهر طوال أشهر الحمل.. وهذا هو الفرق بين قيادة الله وقيادة الملاك.
الله يسير معنا فيريحنا ويشبعنا ويسدد احتياجاتنا.. إن رغبة قلب الله أن يكون معنا ولا يتركنا ولكن بشرط أن تكون قلوبنا طاهرة ونقية ومستقيمة أمامه.
لقد قاد الله الشعب في برية قاحلة!! وكان يطعمهم ويرويهم ويحميهم من الشمس المحرقة والليالي الحالكة..
هناك قصة مُعبرة في التلمود اليهودي ربما تكون حقيقية، وهي تحكي عن سليمان الملك بكل حكمته وغناه العظيم.. خطر بباله أن يطلب من الله طلبًا يبدو غريبًا، وهو أن يدعو كل الكائنات والمخلوقات الحية التي تدب على الأرض أو تسبح في المياه أو تطير في السماء على وليمة الغذاء، ليبرهن على مدى كرمه وسخائه وغناه اللامتناهي.. وبدأ سليمان يستعين بمئات من الطهاة وأحضر كميات هائلة من الطعام والشراب، ونصب موائد هائلة وممتدة في كل الاتجاهات.
وفي الوقت المحدد سمح الله لجميع الكائنات أن تتجه نحو القصر الملكي لتناول وجبة الغذاء بدعوة من سليمان الملك.. ووقف سليمان في شرفة قصره ورأى ما لم تراه عينه من قبل.
حيث رفع عينيه إلى السماء فوجدها وقد تغطت تمامًا بسحابة هائلة بها ملايين الملايين من مختلف أنواع الطيور قادمة نحو قصره لتتناول وجبة الغذاء ..
ثم نظر نحو البحر فوجد أمواجًا وأمواجًا من الأسماك والحيتان وكل أنواع الكائنات البحرية، قادمة بسرعة نحو القصر لتناول الطعام..
وأيضًا نظر نحو البر فوجد أعدادًا غفيرة من كل أنواع الحيوانات الأليفة والمفترسة، وكل ما يدب على الأرض تتجه مسرعة نحو القصر لتناول وجبة الغذاء التي أعدها سليمان الملك.
وهنا ارتجف سليمان وخاف خوفًا عظيمًا.. وسقط على الأرض وكاد أن يُغشى عليه وصرخ قائلاً: كلا يا رب كلا لقد أخطأت.. إن امكانياتي محدودة بالنسبة لكل هذه الكائنات الغفيرة.. ارحمني يا رب وأصدر أمرًا بعودة كل هذه الكائنات والمخلوقات من حيث أتت..
فقال له الله: انظر يا سليمان أنك بكل مجدك وغناك لم تستطع أن تطعم خليقتي ولو وجبة واحدة!!. وأنا أعولها وأعتني بها كل أيام الحياة.. حتى العصافير الصغيرة والكائنات الضعيفة كلها أهتم بها..
وفي طريق العودة، أسد صغير كان يسير بجوار أمه قال لها: يا أمي لماذا تأخرت وجبة الغذاء اليوم؟ فقالت الأم لابنها: لأننا اليوم اعتمدنا على سليمان ولم نعتمد على الله!!..
فهذا هو إلهنا وراعينا الذي يقودنا ويحملنا ويسدد احتياجاتنا يومًا بيوم..
إن الماضي كله يشهد عن أمانته وصدق مواعيده.
قال داود المُختبِر: “كنت فتى وقد شخت ولم أر صدّيقا تُخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا”
عزيزي القارئ: هل تخاف من الأيام القادمة؟ هل تشكو من قلة إمكانياتك وصعوبة الحياة؟
ضع ثقتك في الله الذي بدأ معنا رحلة الحياة والقادر أن يقود سفينتنا إلى بر الأمان..
كل ما علينا أن نسلك أمامه بالتقوى والأمانة واستقامة القلب.