مستر “هاري”
دُعيت لحضور مؤتمر روحي في إحدى الدول الأسيوية. وعند وصولنا إلى مكان المؤتمر، بدأ توزيعنا على الغرف.. وكنا ثلاثة أشخاص على غرفتين، ولكن المشكلة إن كل غرفة كانت تحتوي على سريرًا واحدًا أي أن شخصًا واحدًا سيستقل بغرفه بمفرده والاثنان الآخران لا بد أن يتقاسما غرفة واحدة وسريرًا واحدًا..
وشعرت بأن هذا الوضع غير مريح بالنسبة لي، ولكنني فوجئت!! بأن الشخصين الآخرين أصرا أن يتركا لي الغرفه بمفردي، وأن يتقاسما هما الغرفه الأخرى كنوع من التكريم لي لأنني مصري وهما أسيويان من نفس البلد..
وقد أخجلني تواضعهما هذا.. وفي صباح اليوم التالي وجدت أن واحدًا من الاثنين نام على الأرض وترك السرير لزميله الآخر رغم أنه كان أكبر سنًا.. ولكن الذي أدهشني أنني وجدت أن هذا الرجل الذي ترك لي الغرفة بمفردي ثم ترك السرير لزميله الآخر ونام على الأرض ليعمل على راحتنا فوجئت بأنه كان يعمل سفيرًا لدولته لدى مصر!! واندهشت لمدى تواضع هذا الرجل الذي يشغل مركزًا مرموقًا.. ولكنه ضرب لنا مثلاً رائعًا في التواضع..
إن هذا الدرس الذي علمني إياه مستر هاري لا يمكن أن أنساه أبدًا، كيف أنسى تواضعه ومحبته إن مركزه المرموق لم يغويه أو يغريه أو يزيد كبرياءه.. وتوارد إلى خاطري صور كثيرة لأشخاص كثيرين ضرب الكبرياء قلوبهم وتكبروا على الآخرين، فهناك المتكبر بسبب مركزه الاجتماعي. أو ما يملكه من مال وقوة وسلطة وجاه.. وينسى أن الله هو مصدر كل هذه العطايا وليس بسبب فضل في ذاته، وينسى أن الله يستطيع في لحظة واحدة أن يجرده من ماله وسلطانه وقوته..
وهناك الذي يتكبر بسبب علمه ومعرفته، فيثق في علمه وحكمته ويتكل على نفسه ويتناسى أن رأس الحكمة مخافة الله وينسى القول “توكل على الرب من كل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد”..
ولكن أخطر أنواع الكبرياء هو الكبرياء الروحي.. فالمتكبر روحيًا يحتقر الآخرين ويظن في نفسه أنه أفضل الجميع، فالجميع ناقصين وهو وحده الكامل. الجميع مخطئون ورأيه وحده هو الصواب.. يدين هذا ويحكم على ذاك، مثل هذا الفريسي المتكبر روحيًا والذي وقف في صلاته يشيد بنفسه وبفضائله وخصاله الحميدة، ثم بدأ في دينونة ذلك العشار المتواضع، وكانت النتيجة أنه كان بارًا في نظر نفسه فقط أما العشار فكان بارًا في نظر الله بسبب تواضعه..
إن الكبرياء روح شرير عندما امتلك فكر وقلب الشيطان والذي كان في الأصل ملاك نوراني يخدم الله.. لكن بسبب كبرياء قلبه سقط الملاك وصار شيطانًا.. إن الله يمقت خطية الكبرياء وليس هذا فقط بل إن الله يقاوم المستكبرين..
فيا أيها المتكبر هل تحتمل مقاومة الله. وهل تستطيع بكبريائك أن تقف في وجه الله.. إن قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح.
لقد كان المسيح هو رب المجد ولكنه سلك في طريق التواضع إذ أخلى نفسه وأخذ صورة عبد وعاش على الأرض بسيطًا وديعًا متواضعًا وقال: تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لأنفسكم.. إن طريق الراحة هو في البساطة والتواضع والمحبة وإنكار الذات.
عزيزي القارئ:
لنمتحن أنفسنا.. ولنضع الرب يسوع مثلاً أعلى بالنسبة لنا.. لنتعلم منه فكر التواضع، وإنكار الذات، لقد تعلمت درسًا من مستر هاري السفير المتواضع.. وقد سبقني مستر هاري وتعلم درس التواضع من رب المجد يسوع المسيح..