أباء وأبناء
لاحظت أن هناك نوعًا من عدم التفاهم والتواصل بين جيل الآباء وجيل الأبناء.
فالأبناء يتحدثون بلغة تختلف تمامًا عن لغة الآباء، وانعكس هذا الأمر على بناء الأسرة، وأصبح يهدد استقرارها. حتى الكنيسة تأثرت بهذه الظاهرة وتحولت اجتماعات الشباب إلى جزر منعزلة عن الكنيسة.
..أخبرني صديق أن صديقًا له – رجل أعمال – يعيش في مدينة “سيدني” بأستراليا. هذا الرجل ازدهرت أعماله وتضخمت ثروته، وكان له ثلاثة من الأبناء.
وقد وفر هذا الرجل كل وسائل الراحة والرفاهية لأبنائه، من سيارات وملابس وأموال.. ولكن.. المشكلة أن الأبناء افتقدوا أباهم لكثرة أعماله ومشغوليته، حتى في أوقات فراغه كان عنيفًا معهم ويتحدث إليهم بطريقة سلبية.
لم يشعر هؤلاء الأبناء بحنان الأب، فلم يحدث أن فتح لهم قلبه أو عبَّر عن مشاعره من نحوهم، بل في كل لقاء معهم كان يحبطهم ويتهمهم بأنهم فاشلون وليس هناك رجاء فيهم..
توافر للأبناء المال… لكنهم فقدوا حنان الأب!!.
وانتهى الأمر بأن الأبناء الثلاثة ألتف حولهم أصدقاء السوء، وأصبحوا مدمنين للمخدرات، خاصة الابن الأصغر الذي ساءت حالته.. ونقلوه إلى المستشفى، ودخل في غيبوبة. وبعد أيام قليلة مات!!.
وبعد عدة أيام.. كان الأب جالسًا في المنزل يشاهد برنامج تلفزيوني، وكان المذيع يجري مقابلات مع شباب أدمنوا المخدرات، وكان يسأل من يقابله سؤالاً محددًا.. ما الذي دفع بك إلى طريق الأدمان؟ وفجأة ظهر الابن الأصغر على شاشة التلفزيون وكأن عيونه موجهه إلى عيون أبيه الذي يشاهد البرنامج.
وكان هذا البرنامج قد تم تسجيله مع الابن قبل موته بعدة أيام. واستمع الأب إلى ابنه وهو يقول: لو كان لي أبًا محبًا ما كنت أدمنت… لو كان لي أبًا يسمعني ما كنت أدمنت… لو كان لي أبًا يشجعني ما كنت أدمنت…
وبعد أن استمع الأب إلى حديث ابنه الذي فقده، انكسر قلبه وأخذ يبكي بحرقة وندم..
لقد كسب هذا الأب كل شيء ولكنه فقد أبناءه. لقد ضاع ابنه الأصغر إلى الأبد.. ولن يستطيع أن يعيده إلى الحياة ثانية.
وبدأ ينتبه إلى نفسه.. وهو حاليًا يحاول قدر استطاعته أن يساعد ولديه الآخرين ليعودوا إلى الطريق الصحيح.
إن ابنائنا وبناتنا يواجهون تحديات كثيرة، وهناك متغيرات كثيرة قد حدثت في الحياة. لذلك علينا كآباء وأمهات أن ننتبه، ونصغي إلى أبنائنا، علينا أن نبني جسورًا بيننا وبينهم.
علينا أن نشجعهم ونمسك بأيديهم.. علينا أن نصلي معهم ومن أجلهم وأن ندفعهم إلى الأمام.
يجب أن نقضي معهم وقتًا ونصغي لمشاكلهم ونفتح لهم قلوبنا وآذاننا. لأنهم لو فقدوا العطف والحنان داخل البيت، فسوف يبحثون عنه في أماكن أخرى، ربما تقودهم إلى البعد والضلال.
كخدام ورعاة علينا أن نفتح المجال للشباب، وأن نعطيهم الحرية ليُعبِّروا عن آرائهم، وأن نقترب منهم ونشجعهم.
وقبل هذا وذاك علينا أن نكون قدوة حسنة أمامهم حتى يروا فينا صورة الله الآب. ويروا فينا قلب الآب المحب.
إن أولادنا وبناتنا هم عطية الله لنا هم كنوز رائعة، فلنشكر الله من أجلهم..
وما أحلى صورة البيت الملآن بالمحبة والتفاهم والوئام..
وما أجمل صورة الكنيسة التي تتعبد لله بشيوخها وشبابها وأطفالها أيضًا..