أوزولد شامبر
حضر لزيارتي راعي صديق من إنجلترا، وطلب مني طلبًا غريبًا.. ألا وهو رغبته في أن أساعده على أن يزور مقابر شهداء الحرب العالمية الأولى.. ورغم أنني لست من مشجعي زيارة المقابر إلا أنني أمام إلحاحه أخذت أبحث حتى وجدت مكانها، وأصطحبته معي وذهبنا إلى هناك ووقفنا في ساحة كبيرة جدًا مزينة بالورود المنتشرة في كل مكان.. وبينها مئات من المقابر.. وعلى كل مقبرة لوحة رخامية مسجل عليها اسم صاحب المقبرة وعمله وعمره عندما مات.
وانطلق صديقي بين المقابر يبحث عن مقبرة بعينها.. وأخذ يبحث هنا وهناك.. ويفتش بين الأسماء وفجأة لمعت عيناه!! ووقف محدقًا أمام المقبرة التى يبحث عنها ورأيت مسجل عليها اسم “أوزولد شامبر” هذا الواعظ والكاتب الشهير، وأخبرني صديقي أن أوزولد شامبر هو كاتبه المفضل وكيف أن كتبه الروحية تركت تأثيرًا مباركًا في حياة الكثيرين على مر السنين والأيام.
وقد ولد هذا الرجل عام 1874، وكان والده قسيسًا معمدانيًا. وقد آمن أوزولد بالمسيح وهو صغير السن.. وبينما يدرس في كلية اللاهوت المعمدانية نال اختبار الملء بالروح القدس، وعندها أمتلأت حياته بالقوة الروحية، وعندما بلغ عمره 37 سنة كان مديرًا لإحدى أكبر كليات اللاهوت في لندن..
ورغم هذا المركز الكبير إلا أنه تركه وسافر إلى مصر ليعمل واعظًا ومبشرًا بالإنجيل بين الجنود والضباط في المعسكرات الحربية وسط الصحراء القاحلة. وقد آمن العشرات من الجنود والضابط ونالوا الخلاص نتيجة خدمته بينهم..
ثم مرض مرضًا شديدًا ومات ودفن في مصر عن عمر يناهز 48 سنة.
يالها من حياة قصيرة ولكنها عميقة وحافلة ومؤثرة.
ولكن الأمر الذى أثر في نفسي جدًا وأنا أتجول بين المقابر عندما رأيت مئات من الشباب الذين ماتوا في الحرب ومعظمهم كانوا شبابًا صغار السن.. فهذا مات في العشرين.. وذاك في الحادية والعشرين.. وهكذا.. ولكن ما أعظم الفرق بين حياة وحياة.. فهناك من يعيش ويموت بلا هدف، أو من أجل أهداف باطله، ولكن هذا الرجل أوزولد شامبر أعجبني جدًا ما كُتب على العمود الرخامي فوق قبره فقد كُتب بالأنجليزية “He loves jesus Christ” أي أنه أحب يسوع المسيح. كان شعاره في حياته وفي موته أنه أحب يسوع المسيح.
عزيزي القارئ: رغم أنني لا أحب زيارة المقابر إلا أن هذه الزيارة أفادتني جدًا، وتركت تأثيرًا عميقًا في داخل قلبي لدرجة أنني في الأسبوع التالي أصطحبت زوجتي وأولادي إلى ذات المكان بين المقابر وطلبت منهم التأمل في حياتنا وماذا نحن فاعلون بها..
فهناك عند القبور.. نتعلم أن الحياة قصيرة جدًا جدًا كما أنها غالية جدًا، ومن المؤسف أن نضيع حياتنا في أمور عاطلة وباطلة. وسط هذه المقابر رأيت أحلامًا، وشبابًا، وجمالاً، ومالاً، وسلطانًا، كلها انتهت ودفنت.
وتخيلوا معي:
أن بنكًا عرض عليك أن يقدم لك مع كل صباح مبلغ 86400 جنيهًا وطلب منك أن تنفق هذا المبلغ خلال ساعات اليوم حيث أنه لا يجوز لك أن تُرحل الباقي إلى الغد وما تبقى منك لم تصرفه خلال اليوم يضيع عليك، فماذا تفعل بهذا المبلغ؟ وكيف تنفقه؟ وفيما تستخدمه خلال ساعات اليوم؟
كل واحد منا يمتلك بنكًا هذا البنك اسمه “الوقت” كل صباح هذا البنك يقدم لك 86400 ثانية (24×60×60).
كل دقيقة وكل ثانية تضيعها فيما لا يفيد هي مخصومة من رصيدك ومن حسابك..
كل يوم له حساب جديد فنحن لا نستطيع أن نضيف إلى أعمارنا أو حياتنا ولو حتى دقيقة واحدة.. فما ضاع قد ضاع ولن يعود أبدًا..
إن خسارتك لأيامك لا تعود والخاسر والنادم الوحيد في النهاية هو أنت لأنك المسئول عن رصيدك الذى تحياه من أيام عمرك..
إن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء. إن الأيام والسنين تجرى بل تركض. فلماذا لا تنتفع بأيامك؟
لكي تعرف قيمة سنة واحدة اسأل تلميذًا رسب في الامتحان..
ولكي تعرف قيمة شهرًا واحدًا اسأل أُما ولدت طفلاً قبل ميعاده..
ولكي تعرف قيمة أسبوعًا واحد اسأل محررًا لصحيفة أسبوعية..
ولكي تعرف قيمة ساعة واحدة اسأل خطيبًا في انتظار خطيبته المحبوبة..
ولكي تعرف قيمة دقيقة واحدة اسأل شخصًا فاته القطار..
ولكي تعرف قيمة ثانية واحدة اسأل شخصًا نجى من الموت في حادثة مروعة..
ولكي تعرف قيمة جزء من الثانية اسأل متسابقًا فاز بالجائزة الذهبية في السباق..
قدر قيمة الوقت.. الأيام والساعات والثواني إنها ثروتك ورصيدك استخدمها في أشياء نافعة. أستخدمها في خدمة السيد وملكوت الله.
وتذكر أن الوقت يجري ولا ينتظر أحدًا.
أن الماضي هو تاريخ.
والمستقبل هو سر.
أما الحاضر فهو عطية وموهبة حتى أن كلمة الحاضر في الإنجليزية تعني present.